قال الله تعالى فى سورة الكهف: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا.. فما معنى كلمة باخع ؟
.
﴿فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا﴾ [الكهف ٦]
قال الله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف ٦]، ﴿فَلَعَلَّكَ﴾ الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام.
﴿بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أي: مهلك نفسك، وذلك للرسول عليه الصلاة والسلام، إذا لم يجيبوه حزن حزنًا شديدًا، وضاق صدره حتى يكاد يهلك، فسرّه الله عز وجل، وبيَّن له أنه ليس عليه في ذلك من شيء، قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾، ﴿بَاخِعٌ﴾ أي: مهلك.
﴿عَلَى آثَارِهِمْ﴾ أي: اقتفاء آثارهم، لعلهم يرجعون إذا تولوا.
﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ والمشار إليه هو القرآن.
﴿أَسَفًا﴾ هذه مفعول من أجله، العامل فيها ﴿بَاخِعٌ﴾.
المعنى: لعلك باخع نفسك من الأسف إذا لم يؤمنوا به، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس عليه من آثارهم من شيء، وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام ما هي؟ وظيفته البلاغ ﴿إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ [آل عمران ٢٠]، يبلغ والحساب على الله عز وجل، وهكذا ورثته من بعده العلماء، وظيفتهم البلاغ، وأما الهداية فهي بيد الله عز وجل، فلا تحزن عليهم ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾.
ومن المعلوم أن الإنسان لا شك أنه يحزن إذا لم يستجب الناس للحق، لكن الحال إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين: نوع يحزن؛ لأنه لم يُقبل، ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل، أيهما المحمود؟
الثاني؛ لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عز وجل؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل ١٢٥].
لكن لو قال إنسان: أنا أحزن إذا لم يُقبل قولي؛ لأنه حق، ولذلك لو تبيّن لي الحق على خلاف قولي أخذت به، فهل يكون محمودًا أو غير محمود؟
يكون محمودًا، لكنه ليس كالآخر الذي ليس له هم إلا قبول الحق سواء جاء من قِبله أو جاء من قِبل غيره، فهذا أكمل -يا إخوان- أدبًا.
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ [الكهف ٧] إذا رأيت في القرآن تجد أن الله تعالى يقدم الشرع على الخلق؛ ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ [الرحمن ١ – ٣]، وتأمل الآيات في هذا المعنى تجد أن الله يبدأ بالشرائع قبل ذكر الخلق وما يتعلق به؛ لأن المخلوقات إنما سُخِّرت للقيام بطاعة الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة ٢٩] إذن المهم هو القيام بطاعة الله، تأمل هذه النكتة حتى يتبين لك أن خلق الدنيا، وإيجاد الدنيا إنما هو بالقيام بشريعة الله عز وجل.